الجمعة، 18 يوليو 2008
التأمين الصحى :
المحطة القادمة لقطار الخصخصة
.. بعد تولى رجال الأعمال جميع الوزارات الخدمية , فهم الجميع الرسالة : قطار الخصخصة يندفع الآن بأقصى طاقته ليحصد كل ما تبقى .. الرأسماليون الجدد اكتشفوا أن البيروقراطيين القدامى أمثال الجنزورى و عاطف عبيد و رجالهما –رغم ولائهم المطلق- و خدماتهم التى لا تحصى , و فسادهم الذى صار يطبق على أنفاس الجميع , غير مؤهلين و لا قادرين على إتمام المهمة .. اكتشف الرأسماليون الجدد ان عليهم أخذ زمام المور بأيديهم , و إعادة ترتيب توازنات القوى بما لا يسمح بأى خلل أو تردد فى انتهاج السياسات المعبرة عن مصالحهم و الإندفاع بقطار الخصخصة الى محطاته النهائية : البنوك , الصناعات الهندسية , المواصلات العامة , و السكك الحديدية , و المياه , و الطاقة , و بالطبع الخدمات الصحية التى يأتى على رأسها قطاع التأمين الصحى .
سوف تحصل على العلاج بقدر ما تملك من أموال , و ليس بقدر ما تحتاجه حالتك الصحية .. و لإذا كنت لا تملك أموال من الأصل فالأفضل لك و لحكومة رجال الأعمال أن تموت .. هذا هو مشروع قانون التأمين الصحى الجديد ..
قانون خصخصة التأمين الصحى :
و على الرغم من أن القانون لا زال طى الكتمان , يتم التعامل معه بسرية تقارب سرية الملفات الحربية و لكن بإمكاننا أن نستشف العديد من ملامحه الخافية بانظر إلى القانون الذى سبق طرحه عام 2000 على مجلس الشعب .
يطرح مشروع القانون بيع هياكل مستشفيات و عيادات و مراكز التأمين الصحى و وقف قيام هيئة التأمين الصحى بتقديم الخدمة بنفسها ..هذا الاتجاه يرتبط بسياسات " الإصلاح " الصحى المتوافقة مع السياسات الليبرالية الجديدة , التى تقوم على استبعاد دور الحكومة و استبدالها بالقطاع الخاص , سيكون مدعوما بحافز الربح و التنافس لخدمة المستهلك .. مما يحل مشكلة تدنى الخدمات الصحية المقدمة و تدهورها.
و إذا كان السبب المعلن عن الهدف من القانون الجديد هو تدنى و تدهور مستوى الخدمات و الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين إلا ان الحقيقة الكامنة وراء القانون هو ما يشكله القطاع الصحى من عبء متزايد على عاتق الدولة و على الموازنة العامة , لذا لا يجد النظام – فى سياق أزمته الاقتصادية – مخرجا غير رفع يده عن هذا القطاع الحيوى و المهم لمعظم شرائح و طبقات المجتمع المصرى بدلا من تطويره و ضخ المزيد من الأموال و الخبرات إليه و تحسين خدماته .
هذا لا يعنى بالطبع عدم وجود تدهور شديد فى الخدمات المقدمة داخل قطاع التأمين الصحى , فالفساد و النهب المتفشى فى كل أركان المؤسسة الصحية فى مصر أدى الى حالة متردية لمستوى الخدمات الصحية فى المستشفيات و المراكز الطبية التابعة لهذا القطاع , بالإضافة إلى تدهور أجور الأطباء , الذى أدى - بالطبع – إلى هجرهم المستشفيات و المراكز الصحية سعيا إلى تحسين أحوالهم الإقتصادية عبر العمل فى المؤسسات و العيادات الخاصة . ,.......
الإنفاق الحكومى :
رغم كل هذا التردى يظل قطاع التأمين الصحى هو الجهة الوحيدة تقريبا التى تقدم خدمات صحية قليلة التكلفة للفقراء و محدودى الدخل , و هم أكثر من نصف الشعب المصرى ..فى هذا السياق تأتى التصريحات الحكومية التى نسمعها بين الحين و الآخر عن العبء الذى يمثله التأمين الصحى على ميزانية الدولة لتكتشف حجم التدليس فى تصريحات حكامنا ..الحقيقة ان الخدمة التى يقدمها التأمين الصحى ليست مجانية لأن المواطنين يدفعون ثمنها من رواتبهم و معاشاتهم ..هذا غير ان المستشفيات غالبا ما تجبر المرضى و ذويهم على تحمل معظم تكاليف المستلزمات الطبية الغير متوفرة بها كالقطن و الشاش و خلافه .. و رغم ان خدمات قطاع التأمين الصحى ينتفع بها أكثر من 30 مليون مواطن فإن الميزانية المقدرة له لا تتجاوز المليارى جنيه , بينما يتجاوز الإنفاق العام على العلاج العشرين مليار .. و لنا هنا ان نتعجب من صراخ الدولة بسبب "عبء التأمين الصحى " بينما هى توجه أقل من 10 % من ميزانية الإنفاق الصحى على الخدمات الصحية المقدمة لما يقرب من 50% من المصريين , الأكثر فقرا بينهم طبعا .
فقراء المصريين هم من يعانون من تدنى مستوى الخدمة فى التأمين الصحى , و هم أيضا أصحاب الحق و المصلحة فى تطويره و ليس خصخصته , و هم أخيرا – و ياللمفاجأة – الملاك الشرعيين لهيئة التأمين الصحى , التى أسست و يتم الإنفاق عليها بأموال مقتطعة من أجورهم .
و لنا هنا أن نتساءل أين ستذهب حصيلة البيع المرتقب – بعد إقرار القانون الجديد – لأربعين مستشفى و مائة و اربعين عيادة شاملة تمثل هيكل قطاع التأمين الصحى , تم بناؤها بأموال المؤمن عليهم , و من ثم لا تملك الدولة دستوريا حق التصرف فيها .
هيئة التأمين الصحى , و رغم كل التدهور فى حالتها , لا زالت هى حائط الصد الأخير الذى يحتمى به ملايين الكادحين من الغزو الشرس للشركات الطبية العالمية , التى لا يهمها سوى الربح ..لذا علينا ان نتوقع المزيد من التدهور فى مستوى الخدمات الصحية المقدمة لغالبية الفقراء من المصريين إذا ما مضوا فى مشروع خصخصة التأمين الصحى الى نهايته .. فالنتيجة المتوقعة أن الغالبية الساحقة من المصريين ستصبح غير قادرة على تحمل تكاليف العلاج و الحصول على خدمة طبية لائقة ..و المؤكد أن القطاع الخاص , الذى سيصبح مالكا لمستشفيات التأمين الصحى , لن يعنيه سوى تحقيق الأرباح و المزيد من الأرباح و لو على حساب أرواح الملايين المعدمين .
Discover the new Windows Vista Learn more!
1 comments:
هو ده الكلام يا زملا
المدونة رجعت من جديد
والموضوع جامد جداً
مجهود رائع
تحياتي
إرسال تعليق